الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **
الجزء الخامس الفصل بكسر ففتح جمع فصلى بفتح فسكون كقصعة وقصع النخلة المنقولة من محلها إلى محل آخر لتثمر بسم الله الرحمن الرحيم
اللطائف والكلام في السحر وفي المعجزات التي فيها إحالة الطبائع يجوز واحدها لغير الأنبياء أم لا قال أبو محمد: ذهب قوم إلى أن السحر قلب للأعيان وإحالة للطبائع وأنهم يرون أعين الناس ما لا يرى وأجازوا للصالحين على سبيل كرامة الله عز وجل لهم اختراع الأجسام وقلب الأعيان وجميع إحالة الطبائع وكل معجز للأنبياء عليهم السلام ورأيت لمحمد ابن الطيب الباقلاني أن الساحر يمشي على الماء على الحقيقة وفي الهواء ويقلب الإنسان حماراً على الحقيقة وإن كل هذا موجود من الصالحين على سبيل الكرامة وأنه لا فرق بين آيات الأنبياء وبين ما يظهر من الإنسان الفاضل ومن الساحر أصلاً إلا بالتحدي فإن النبي يتحدى الناس بأن يأتوا بمثل ما جاء هو به فلا يقدر أحد على ذلك فقط وان كل ما لم يتحد به النبي صلى الله عليه وسلم الناس فليست آية له وقطع بأن الله تعالى لا يقدر على إظهار آية على لسان متنبئ كاذب وذهب أهل الحق إلى أنه لا يقلب أحد عينا ولا يحيل طبيعة إلا الله عز وجل لأنبيائه فقط سواء تحدوا بذلك أو لم يتحدوا وكل ذلك آيات لهم عليهم الصلاة والسلام تحدوا بذلك أم لا والتحدي لا معنى له وأنه لا يمكن وجود شيء من ذلك لصالح ولا لساحر ولا لأحد غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والله تعالى قادر على إظهار الآيات على أيدي الكذابين المدعين للنبوة لكنه تعالى لا يفعل كما لا يفعل ما لا يريد أن يفعله من سائر ما هو قادر عليه. قال أبو محمد: وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره برهان ذلك قوله عز وجل " قال أبو محمد وأما السحر فانه ضروب منه ما هو من قبل الكواكب كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب فينفع إمساكه من لدغة العقرب ومن هذا الباب كانت الطلسمات وليست إحالة طبيعة ولا قلب عين ولكنها قوي ركبها الله عز وجل مدافعة لقوى اخر كدفع الحر للبرد ودفع البرد للحر وكقبل القمر للدابة الدبرة إذا لاقى الدبرة ضوءه إذا كانت دبرتها مكشوفة للقمر ولا يمكن دفع الطلسمات لأننا قد شاهدنا بأنفسنا أثارها ظاهرة إلى الآن من قرى لا تدخلها جرادة ولا يقع فيه برد وكسر قطة التي لا يدخلها جيش إلا أن يدخل كرها وغير ذلك كثير جدا لا ينكره إلا معاند وهي أعمال قد ذهب من كان يحسنها جملة وانقطع من العالم ولم يبق إلا آثار صناعاتهم فقط ومن هذا الباب كان ما تذكره الأوائل في كتبهم في المويسيقا وانه كان يؤلف به بين الطبائع وينافر به أيضاً بينها ونوع آخر من السحر يكون بالرقي وهو كلام مجموع من حروف مقطعه في طوالع معروفة أيضاً يحدث لذلك التركيب قوة تستثار بها الطبائع وتدافع قوى أخر وقد شاهدنا وجربنا من كان يرقي الدمل الحاد القوي الظهور في أول ظهوره فييبس يبدأ من يومه ذلك بالذبول ويتم يبسه في اليوم الثالث ويقلع كما تقلع قشرة القرحة إذا تم يبسها جربنا من ذلك مالا نحصيه وكانت هذه المرأة ترقي أحد دملين قد دفعا على إنسان واحد ولا ترقي الثاني فييبس الذي رقت ويتم ظهور الذي لم ترق ويلقي حامله منه أذى الشديد وشاهدنا من كان يرقي الورم المعروف بالخنازير فيندمل ما يفتح منها ويذبل ما لم ينفتح ويبرأ كل ذلك البرء التام كان لا يزال يفعل ذلك في الناس والدواب ومثل هذا كثير جدا وقد اخبرنا من خبره عندنا كمشاهدتنا لثقته وتجريبنا لصدقة وفضله انه شاهد ما لا يحصى نساء يتكلمن على الذي يمخضون الزبد من اللبن بكلام فلا يخرج من ذلك اللبن زبد ولا فرق بين هذين الوجهين وبين ملاقاة فضلة الصفراء بالسقمونيا وملاقاة ضعف القلب بالكندر وكل هذه المعاني جارية على رتبة واحدة من طلب علم ذلك أدركه ومنه ما يكون بالخاصة كالحجر الجاذب للحديد وما أشبه ذلك ومنه ما يكون لطف يد كحيل أبي العجائب التي شاهدها الناس وهي أعمال لطيفة لا تحيل طبعا أصلاً. قال أبو محمد: وكل هذه الوجوه التي ذكرناها ليست من باب معجزات الأنبياء عليهم السلام ولا من باب ما يدعيه أهل الكذب للسحرة والصالحين لأن معجز الأنبياء هو خارج عن الرتب وعن طبائع كل ما في العالم وعن بنية العالم لا يجري شيء من ذلك على قانون ولا على سنن معلوم لكن قلب عين وإحالة صفات ذاتية كشق القمر وفلق البحر واختراع طعام وماء وقلب العصا حية وإحياء ميت قد أرم وإخراج ناقة من صخرة ومنع الناس من أن يتكلموا بكلام مذكورا ومن أن يأتوا بمثله وما أشبه هذا من إحالة الصفات الذاتية التي بوجودها تستحق الأسماء. ومنها تقوم الحدود وهذا بعينه هو الذي يدعيه المبطلون للساحر والفاضل قال أبو محمد: وإنما يلوح الفرق جداً بين هذين السبيلين لأهل العلم بحدود الأسماء والمسميات وبطبائع العالم وانقسامه من مبدئه من أجناس أجناسه إلى أنواعه إلى أشخاصه وما هو من أعراضه ذاتي وما هو منها غيري وما يسرع الاستحالة والزوال من الغيري منها وما يبطئ زواله منها وما يثبت منها ثبات الذاتي وان لم يكن ذاتياً والفرق بين البرهان وبين ما نظن أنه برهان وليس برهاناً والحمد لله على ما وهب وأنعم به علينا لا إله إلا هو حدثنا محمد بن بيان ثنا أحمد بن عبد البصير قال ثنا قاسم بن اصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثني ثنا عبد الرحمن ابن مهدي ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن بشير بن عمرو قال ذكر الغيلان عند عمر بن الخطاب فقالوا انهم يتحولون فقال عمر انه ليس أحد يتحول عن خلقه الذي خلق له ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا خشيتم شيئا من ذلك فأذنوا فهذا عمر رضي الله عنه يبطل إحالة الطبائع وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين كثيرا وقد نص الله عز وجل على ما قلنا فقال تعالى " وإذا جاز أن يقلب سحرة موسى عليه السلام عصيهم وحبالهم حيات وقلب موسى عليه السلام عصاه حية وكان كلا الآمرين حقيقة فقد صدق فرعون بلا شك في انه ساحر مثلهم إلا انه أعلم منهم به فقط وحاشا لله من هذا بل كان فعل السحرة إلا من حيل أبي العجائب فقط فان لجئوا إلى ما ذكره الباقلاني من التحدي قيل لهم هذا باطل من وجوه أحدها إن اشتراط التحدي في كون آية النبي آية دعوى كاذبة سخيفة لا دليل على صحتها لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من إجماع ولا من قول صاحب ولا من حجة عقل ولا قال بهذا أحد قط قبل هذه الفرقة الضعيفة وما كان هكذا فهو في غاية السقوط والهجنة قال الله عز وجل " أنه لو كان ما قال وا لسقطت اكثر آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم كنبعان الماء من بين أصابعه وإطعامه المئين والعشرات من صاع شعير وعناق ومرة أخرى من كسر ملفوفة في خمار وكتفله في العين فجاشت بماء غزير إلى اليوم وحنين الجذع وتكليم الذراع وشكوى البعير والذئب والأخبار بالغيوب وتمر جابر وسائر معجزاته العظام لأنه عليه الصلاة والسلام لم يتحد بذلك كله أحداً ولا عمله إلا بحضرة أهل اليقين من أصحابه رضى الله عنهم ولم يبق له آية حاشا القرآن ودعاء اليهود إلى تمنى الموت وشق القمر فقط وكفى نحسا بقول أدى إلى مثل هذا فان ادعوا انه عليه السلام تحدى بها من حصر وغاب وان تمادوا على أن كل هذه ليست معجزات ولا آيات أكذبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إذ فعل ذلك أشهد أني رسول الله والثالث وهو البرهان الدافع هو قول الله تعالى " قال أبو محمد: وأما من ادعى أنه يشبه الساحر على العيون فيريهم ما لا يرى فان هذه الطائفة لم تكتف بالكفر بإبطال النبوات إذ لعل ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم كان تشبيهاً على العيون لا حقيقة له حتى رامت إبطال الحقائق كلها أولها عن آخرها ولحقت بالسوفسطائية لحاقاً صحيحاً بلا تكلف وي قال لهم إذا جاز أن يشبه على العيون حتى يرى المشبه عليها ما لا حقيقة له وما لا تراه فما يدريكم لعلكم كلكم الآن مشبه على عيونكم ولعل بعض السحرة قد شبه عليكم فأراكم أنكم تتوضئون وتصلون وأنتم لا تعقلون شيئاً من ذلك ولعلكم تظنون أنكم تزوجتم وإنما في بيوتكم ضأن ولا معز ولعلكم الآن على ظهر البحر ولعل كل ما تعتقدون من الدين تشبيه عليكم وهذا كله لا مخلص لهم منه وقد عاب الله عز وجل من ذهب إلى هذا فقال " قال أبو محمد: وليس غلط الحواس في بعض الأوقات من باب التشبيه عليها في شيء لأن أحدنا قد يرى شخصاً على بعد لا يشك فيه إلا أنه سارع فقطع أنه إنسان أو أنه فلان فقطع بظنه ولو أنه لم يعمل ظنه ولا قطع به لكان باقياً على ما أدرك من الحقيقة وهكذا في كل ما حكم فيه المرء بظنه وأما ذو الآفة كمن فيه ابتداء نزول الماء فيرى خيالات لا حقيقة لها فهو أيضاً كما ذكرنا وإنما الماء المطل على حدقته يوهمه أنه رأى شيئاً وقطع بذلك فإذا تثبت في كل ذلك لاح له الحق من الظن وكذلك من فسد مكان التخيل من دماغه فإن نفسه تظن ما يتوهمه فتقطع به ولو قوي تميزها لفرقت بين الحق والباطل وهكذا القول في إدراك السمع والذوق وهذا كله يجري على رتب مختلفة بمن أعمل ظنه وعلى رتب غير مختلفة في جمل هذه الأوقات بل هي ثابتة عند أهل التحقيق والمعرفة معروفة العلاج حتى يعود منها إلى صلاحه ما لم يستحكم فساده ولا يظن ظان أنه ممكن أن نكون في مثل حال هؤلاء إذ لو كان هذا لم نعرف شيئاً من العلوم على رتبه وأحكامه الجارية على سنن واحد وبالله تعالى التوفيق ثم نسألهم بأي شيء يعرفون أنه لم يشبه على عيونكم فقد عرفناكم نحن بماذا نعرف أن حواسنا سليمة وأن عقولنا سليمة ما دامت سالمة وبماذا نعرف الحواس المدخولة والعقول المدخولة وغير المدخولة وهو إجراء ما أدرك بالحواس السليمة والعقول السليمة على رتب محدودة معلومة لا تبدل عن حدودها أبداً وأجرأ ما أدرك بالحواس الفاسدة والعقول المدخولة على غير رتب محدودة فإنهم لا يقدرون على فرق أصلاً وبالله تعالى التوفيق: قال أبو محمد: وكذلك ما ذكر عمن ليس نبياً من قلب عين أو إحالة طبيعة فهو كذب إلا ما وجد من ذلك في عصر نبي فإنه آية كذلك لذلك النبي وذلك الذي ظهرت عليه آية بمنزلة الجذع الذي ظهر فيه الحنين والذراع الذي ظهر فيه النطق والعصا التي ظهرت فيها الحياة وسواء كان الذي ظهرت فيه الآية صالحاً أو فاسقاً وذلك كنحو النور الذي ظهر في سوط عمر بن حممه الدوسي وبرهان ذلك أنه لم يظهر فيه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: فإن قيل إذا أجزتم أن تظهر المعجزة في غير نبي لكن في عصر نبي لتكون آية لذلك النبي فهلا أجزتموه كذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لتكون آية له أيضاً ولا فرق بين الأمرين قلنا إنما أجزنا ذلك الشيء في الجماد وسائر الحيوان وفيمن شاء الله تعالى إظهار ذلك فيه من الناس ولا نخص بذلك فاضلاً لفضله ولا نمنع ذلك في فاسق لفسقه أو كافر وإنما ننكر على من خص بذلك الفاضل فجعلها كرامة له فلو جاز ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لا شكل الأمر ولم نكن في أمن من دعوى من ادعى أنها آية لذلك الفاضل ولذلك الفاسق والإنسان من الناس يدعيها آية له ولو كان ذلك لكان إشكالاً في الدين وتلبيساً من الله تعالى على جميع عباده أولهم عن آخرهم وهذا خلاف وعد الله تعالى لنا وإخباره بأنه قد بين علينا الرشد من الغي وليس كذلك ما كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يكون إلا من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وبإخباره وإنذاره فبدت بذلك أنها له لا للذي قال أبو محمد: وأما الذي روي في ذلك عن الثلاثة أصحاب الغار وانفراج الصخرة ثلثاً ثلثاً عندما ذكروا من أعمالهم فلا تعلق لهم به لأن تكسير الصخرة ممكن في كل وقت ولكل أحد بلا إعجاز وما كان هكذا فجائز وقوعه بالدعاء وبغير الدعاء لكن وقع وفاقاً لتمنيه كمن دعا في موت عدوه أو تفريج همه أو بلوغ أمنيته في دنياه ولقد حدثني حكم بن منذر بن سعيد أن أباه رحمه الله كان في جماعة في سفرة في صحراء فعطشوا وأيقنوا بالهلكة ونزلوا في ظل جبل ينتظرون الموت قال فأسندت رأسي إلى حجر ناتئ فتأذيت به فقلعته فاندفع الماء العذب من تحته فشربنا وتزودنا ومثل هذا كثير مما يفرج وحتى لو كانت معجزة لوجب بلا شك أن يكونوا أنبياء أو لنبي ممن في زمن نبي لابد مما قدمناه. قال أبو محمد: ولا عجب أعجب من قول من يجيز قلب الأعيان للساحر وهو عندهم فاسق أو كافر ويجيز مثل ذلك للصالح وللنبي فقد جاز عندهم قلب الأعيان للنبي وللصالح وللفاسق وللكافر فوجب أن قلب الأعيان جائز من كل أحد وبؤساً لقول أدى إلى مثل هذا وهم يجيزون للمغيرة بن سعيد وبيان ومنصور الكشف وقلب الأعيان على سبيل السحر وقد جاء بعدهم من يدعي لهم النبوة بها فاستوى عند هؤلاء المخذولين النبي والساحر نعوذ بالله من الضلال المبين. قال أبو محمد: فان اعترضوا بقول الله تعالى " قال أبو محمد: وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة وخالد هلا شققت عن قلبه لتعلم أ قال ها متعوذا أم لا. قال أبو محمد: فلو جاز ظهور المعجزة على غير نبي على سبيل الكرامة لوجب القطع على ما في قلبه وأنه ولي الله تعالى وهذا لا يعلم من أحد بعد الصحابة رضى الله عنهم الذين ورد فيهم النص وأما قول الباقلاني أن الله تعالى لا يقدر على إظهار آية على يد كذاب فهو داخل في جملة تعجيزه الباري تعالى وهو أيضاً تعجيز سخيف داخل في جملة المحال وذلك أنه جعل الله تعالى قادراً على إظهار الآيات على كل ساحر فإن علم أنه يقول أنه نبي لم يقدر على أن يظهرها عليه وهذا قول في غاية الفساد لأن من قدر على شيء لم يجز أن يبطل قوته عليه علمه بأن ذلك الذي يظهر فيه الفعل يقول أنا نبي ولا يتوهم هذا ولا يتشكل في العقل ولا يمكن البتة وإنما هم قوم أهملوا حكم الله تعالى عليهم وأطلقوا حكمهم عليه تعالى وما في الكفر أسمج من هذا ولا أطم ولا أبرد. قال أبو محمد: ورأيت للباقلاني في فصل من كلامه أن الناس ليسوا عاجزين عن مثل هذا القرآن ولا قادرين عليه ولا هم عاجزون عن الصعود إلى السماء ولا عن إحياء الموتى ولا عن خلق الأجسام ولا اختراعها ولا قادرين على ذلك هذا نص كلامه دون تأويل منا عليه ثم قال إن القدرة لا تقع إلا حيث يقع العجز. قال أبو محمد: وكل هذا هوس لا يأتي به إلا الممرور وأطم من ذلك احتجاجه بأن العجز لا يقع إلا حيث تقع القدرة ولا ندري في أي لغة وجدوا هذا الكذب أم في أي عقل وجد هذا السخف وما شك ذو علم باللغة من الخاصة والعامة في بطلان قوله وفي أن العجز ضد القدرة وأن ما قدر الإنسان عليه فلم يعجز عنه في حين قدرته عليه وأن ما عجز عنه فلم يقدر عليه في حين عجزه عنه وإن نفي القدرة إثبات للعجز وأن نفي العجز إثبات للقدرة ما يجهل هذا عامي ولا خاصي أصلاً وهو أيضاً معروف بأول العقل والعجب أن يأتي بمثل هذه الدعاوي السخيفة بغير دليل أصلاً لكن حماقات وضلالات يطلقها هذا الجاهل وأمثاله من الفساق في دين الله تعالى فيتلقفها عنهم من أضله الله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان وقد قال الله تعالى "
وفعله في المصروع قال أبو محمد: لم ندرك بالحواس ولا علمنا وجوب كونهم ولا وجوب امتناع كونهم في العالم أيضاً بضرورة العقل لكن علمنا بضرورة العقل إمكان كونهم لأن قدرة الله تعالى لا نهاية لها وهو عز وجل يخلق ما يشاء ولا فرق بين أن يخلق خلقاً عنصرهم التراب والماء فيسكنهم الأرض والهواء والماء وبين أن يخلق خلقا عنصرهم النار والهواء فيسكنهم الهواء والنار والأرض بل كل ذلك سواء وممكن في قدرته لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عز وجل بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحيلة للطبائع بنص الله عز وجل على وجود الجن في العالم وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم وقد جاء النص بذلك وبأنهم أمة عاقلة مميزة متعبدة موعودة متوعدة متناسلة يموتون وأجمع المسلمون كلهم على ذلك نعم والنصارى والمجوس والصابئون وأكثر اليهود حاشا السامرة فقط فمن أنكر الجن أو تأول فيهم تأويلا يخرجهم به عن هذا الظاهر فهو كافر مشرك حلال الدم والمال قال تعالى " قال أبو محمد: وهم يروننا ولا نراهم قال الله تعالى " قال أبو محمد: وإذ أخبرنا الله عز وجل أننا لا نراهم فمن ادعى أنه يراهم أو رآهم فهو كاذب إلا أن يكون من الأنبياء عليهم السلام فذلك معجزة لهم كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تفلت عليه الشيطان ليقطع عليه صلاته قال فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان ولولا ذلك لأصبح موثقا يراه أهل المدينة أو كما قال عليه السلام وكذلك في رواية عن أبي هريرة الذي رأى إنما هي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية جني بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هي منقطعات أو عمن لا خير فيه. قال أبو محمد: وهم أجسام رقاق صافية هوائية لا ألوان لهم وعنصرهم النار كما أن عنصرنا التراب وبذلك جاء القرآن قال الله عز وجل "
قال أبو محمد: ذهبت الأشعرية إلى إنكار الطبائع جملة و قال وا ليس في النار حر ولا في الثلج برد ولا في العالم طبيعة أصلاً و قال وا إنما حدث حر النار جملة وبرد الثلج عند الملامسة قال وا ولا في الخمر طبيعة إسكار ولا في المني قوة يحدث بها حيوان ولكن الله عز وجل يخلق منه ما شاء وقد كان ممكنا أن يحدث من مني الرجال جملا ومن مني الحمار إنسانا ومن زريعة الكزبر نخلا. قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة شغبوا بها في هذا الهوس أصلاً وقد ناظرت بعضهم في ذلك فقلت له إن اللغة التي نزل بها القرآن تبطل قولكم لأن من لغة العرب القديمة ذكر الطبيعة والخليقة والسليقة والبحيرة والغريزة والسجية والسيمة والجبلة بالجيم ولا يشك ذو علم في أن هذه الألفاظ استعملت في الجاهلية وسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكرها قط ولا أنكرها أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا أحد ممن بعدهم حتى حدث من لا يعتد به وقد قال امرؤ القيس: وإن كنت قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل و قال حميد بن ثور الهلالي الكندي: لكل امرئ يا أم عمرو طبيعة وتفرق ما بين الرجال الطبائع و قال النابغة: لهم سيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير عوازب و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارود إذ أخبره أن فيه الحلم والأناة فقال له الجارود الله جبلني عليهما يا رسول الله أم هما كسب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل الله جبلك عليهما ومثل هذا كثير وكل هذه الألفاظ أسماء مترادفة بمعنى واحد عندهم وهو قوة في الشيء يوجد بها على ما هو عليه فاضطرب ولجأ إلى أن قال أقوال بهذا في الناس خاصة فقلت له وأني لك بالتخصيص وهذا موجود بالحس وببديهة العقل في كل مخلوق في العالم فلم يكن عنده تمويه. قال أبو محمد: وهذا المذهب الفاسد حداهم على أن سموا ما تأتي به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الآيات المعجزات خرق العادة لأنهم جعلوا امتناع شق القمر وشق البحر وامتناع إحياء الموتى وإخراج ناقة من صخرة وسائر معجزاتهم إنما هي عادات فقط. قال أبو محمد: معاذ الله من هذا ولو كان ذلك عادته لما كان فيها إعجاز أصلاً لأن المادة في لغة العرب والدأب والدين والديدان والهجري ألفاظ مترادفة على معنى واحد وهي في أكثر استعمال الإنسان له مما لا يؤمن تركه إياه ولا ينكر زواله عنه بل هو ممكن وجود غيره ومثله بخلاف الطبيعة التي الخروج عنها ممتنع فالعادة في استعمال العرب العامة التلحي وحمل القناة وتحمل بعض الناس القلنسوة وكاستعمال بعضهم حلق الشعر وبعضهم توفيره. تقول وقد دارت لها وضيني أهذا دينه أبدا وديني و قال آخر ومن عاداته الخلق الكريم. و قال آخر: قد عود الطير عادات وثقن بها فهن يصحبنه في كل مرتحل و قال آخر عودت كندة عادات فصبرا لها. و قال آخر: وشديد عادة منتزعه. فذكر أن انتزاع العادة يشتد إلا أنه ممكن غير ممتنع بخلاف إزالة الطبيعة التي لا سبيل إليها وربما وضعت العرب لفظة العادة مكان لفظة الطبيعة كما قال حميد بن ثور الهلالي: سلي الربع إن يممت يا أم سالم وهل عادة للربع أن يتكلما قال أبو محمد: وكل هذه الطبائع والعادات مخلوقة خلقها الله عز وجل فرتب الطبيعة على أنها لا تستحيل أبدا ولا يمكن تبدلها عند كل ذي عقل كطبيعة الإنسان بأن يكون ممكنا له التصرف في العلوم والصناعات إن لم يعترضه آفة وطبيعة الحمير والبغال بأنه غير ممكن منها ذلك وكطبيعة البر أن لا ينبت شعيرا ولا جوزا وهكذا كل ما في العالم والقوم مقرون بالصفات وهي الطبيعة نفسها لأن من الصفات المحمولة في الموصوف ما هو ذاتي به لا يتوهم زواله إلا بفساد حامله وسقوط الاسم عنه كصفات الخمر التي إن زالت عنها صارت خلاً وبطل اسم الخمر عنها وكصفات الخبز واللحم التي إذا زالت عنها صارت زبلا وسقط اسم الخبز واللحم عنهما وهكذا كل شئ له صفة ذاتية فهذه هي الطبيعة ومن الصفات المحمولة في الموصوف ما لو توهم زواله عنه لم يبطل حامله ولا فارقه اسمه وهذا القسم ينقسم أقساما ثلاثة فأحدها ممتنع الزوال كالغطس والقصر والزرق وسواد الزنجي ونحو ذلك إلا أنه لو توهم زايلا لبقي الإنسان إنسانا بحاله وثانيها بطيء لزوال كالمرودة وسواد الشعر وما أشبه ذلك وثالثها سريع الزوال كحمرة الخجل وصفرة الوجل وكمدة الهم ونحو ذلك فهذه هي حقيقة الكلام في الصفات وما عدا ذلك فطريق السوفسطائية الذين لا يحققون حقيقة ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد: هذا فصل لا نعلمه حدث التنازع العظيم فيه إلا عندنا بقرطبة وفي زماننا فإن طائفة ذهبت إلى إبطال كون النبوة في النساء جملة وبدعت من قال ذلك وذهبت طائفة إلى القول بأنه قد كانت في النساء نبوة وذهبت طائفة إلى التوقف في ذلك. قال أبو محمد: ما نعلم للمانعين من ذلك حجة أصلاً إلا أن بعضهم نازع في ذلك بقول الله قال أبو محمد: وهذا أمر لا ينازعون فيه ولم يدع أحد أن الله تعالى أرسل امرأة وإنما الكلام في النبوة دون الرسالة فوجب طلب الحق في ذلك بأن ينظر في معنى لفظة النبوة في اللغة التي خاطبنا الله بها عز وجل فوجدنا هذه اللفظة مأخوذة من الأنباء وهو الإعلام فمن أعلمه الله عز وجل بما يكون قبل أن يكون أو أوحي إليه منبئا له بأمر ما فهو نبي بلا شك وليس هذا من باب الإلهام الذي هو طبيعة كقول الله تعالى "
قال أبو محمد: ذهب صالح تلميذ النظام إلى أن الذي يري أحدنا في الرؤيا حق كما هو وأنه من رأى أنه بالصين وهو بالأندلس فإن الله عز وجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين. قال أبو محمد: وهذا القول في غاية الفساد لأن العيان والعقل يضطران إلى كذب هذا القول وبطلانه أما العيان فلأننا نشاهد حينئذ هذا النائم عندنا وهو يرى نفسه في ذلك الوقت بالصين وأما من طريق العقل فهو معرفتنا بما يرى الحالم من المحالات من كونه مقطوع الرأس حيا وما أشبه ذلك وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا قص عليه رؤيا فقال لا تخبر بتلعب الشيطان بك. قال أبو محمد: والقول الصحيح في الرؤيا هو أنها أنواع فمنها ما يكون من قبل الشيطان وهو ما كان من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط ومنها ما يكون من حديث النفس وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم من خوف عدو أو لقاء حبيب أو خلاص من خوف أو نحو ذلك ومنها ما يكون من غلبة الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للأنوار ولزهر والحمرة والسرور ورؤية من غلب عليه الصفراء للنيران ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه وكرؤية من غلب عليه السوداء الكهوف والظلم والمخاوف ومنها ما يريه الله عز وجل نفس الحالم إذا صفت من أكدار الجسد وتخلصت من الأفكار الفاسدة فيشرف الله تعالى به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء والصفاء يكون تفاضل ما يراه في الصدق وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبق بعده من النبوة إلا المبشرات وهي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له وأنها جزء من ستة وعشرين جزأ من النبوة إلى جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوة إلى جزء من سبعين جزأ من النبوة وهذا نص جلي على ما ذكرنا من تفاضلها في الصدق والوضوح والصفاء من كل تخليط وقد تخرج هذه النسب والأقسام على أنه عليه السلام إنما أراد بذلك رؤيا الأنبياء عليهم السلام فمنهم من رؤياه جزء من ستة وعشرين جزأ من أجزاء نبوته وخصائصه وفضائله ومنهم من رؤياه جزء من ستة وأربعين جزأ من نبوته وخصايصه وفضايله ومنهم من رؤياه جزء من سبعين جزأ من نبوته وخصائصه وفضائله وهذا هو الأظهر والله أعلم ويكون خارجا على مقتضى ألفاظ الحديث بلا تأويل بتكلف وأما رؤيا غير الأنبياء فقد تكذب وقد تصدق إلا أنه لا يقطع على صحة شيء منه إلا بعد ظهور صحته حاشا رؤيا الأنبياء فإنها كلها وحي مقطوع على صحته كرؤيا إبراهيم عليه السلام ولو رأى ذلك غير نبى في الرؤيا فأنفذه في اليقظة لكان فاسقا عابثا أو مجنونا ذاهب التمييز بلا شك وقد تصدق رؤيا الكافر ولا تكون حينئذ جزأ من النبوة ولا مبشرات ولكن إنذارا له أو لغيره ووعظا وبالله تعالي التوفيق.
قال أبو محمد: ذهب قوم إلا أن الأنبياء عليهم السلام أفضل من الملائكة وذهبت طائفة تنتسب إلى الإسلام أن الصالحين غير النبيين أفضل من الملائكة وذهب بعضهم إلى أن الولي أفضل من النبي وأنه يكون في هذه الأمة من هو أفضل من عيسى بن مريم ورأيت الباقلاني يقول جائز أن يكون في هذه الأمة من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين بعث إلى أن مات ورأيت لأبي هاشم الجبائى أنه لو طال عمر إنسان من المسلمين في الأعمال الصالحة لأمكن أن يوازي عمل النبي صلى الله عليه وسلم كذب لعنه الل. ه قال أبو محمد: ولولا أنه استحيا قليلا مما لم يستحي من نظيره الباقلاني ل قال ما يوجبه هذا القول من أنه كان يزيد فضلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: وهذه الأقوال كفر مجرد لا تردد فيه وحاشا لله تعالى من أن يكون أحد ولو عمر عمر الدهر يلحق فضل صاحب فكيف فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نبي من الأنبياء عليهم السلام فكيف يكون أفضل من رسول الله صلى لله عليه وسلم هذا ما لا تقبله نفس مسلم كأنهم ما سمعوا قول الله عز وجل " قال أبو محمد: فكيف يلحق أبدا من أن تصدق هو بمثل جبل أحد ذهبا وتصدق الصاحب بنصف مد من شعير كان نصف مد الشعير لا يلحقه في الفضل جبل الذهب فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم قال أهل الحق أن الملائكة أفضل من كل خلق حلقه الله تعالى ثم بعدهم الرسل من النبيين عليهم السلام ثم بعدهم الأنبياء غير الرسل عليهم السلام ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما رتبنا قبل. قال أبو محمد: ومن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجن له من الفضل ما لسائر الصحابة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم دعوا إلي أصحابي وأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم أما فضل الملائكة على الرسل من غير الملائكة فلبراهين منها قول الله عز وجل أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول " قال أبو محمد: واحتج بعض المخالفين في هذا بأن قال قال الله عز وجل " قال أبو محمد: وهذه الآية قد صح البرهان بأنها ليست على عمومها لأنه تعالى لم يذكر فيها محمدا صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في أنه أفضل الناس قال الله تعالى " قال أبو محمد: وذكر بعضهم قول الله عز وجل " قال أبو محمد: وهذا أعظم حجة عليهم لأن السجود المأمور به لا يخلو من أن يكون سجود عبادة وهذا كفر ممن قال ه ولا يجوز أن يكون الله عز وجل يأمر أحداً من خلقه بعبادة غيره وإما ان يكون سجود تحية وكرامة وهو كذلك بلا خلاف من أحد من الناس فإذ هو كذلك فلا دليل أدل على فضل الملائكة على آدم من أن يكون الله تعالى بلغ الغاية في إعظامه وكرامته بأن تحييهم الملائكة لأنهم لو كانوا دونه لم يكن له كرامة ولا مزية في تحيتهم له وقد أخبر الله عز وجل يوسف عليه السلام فقال " قال أبو محمد: وليس في سجود يعقوب عليه السلام ليوسف ما يوجب أن يوسف أفضل من يعقوب واحتجوا أيضا بأن الملائكة لم يعلموا أسماء الأشياء حتى أنبأهم بها آدم على جميعهم السلام بتعليم الله عز وجل آدم إياها. قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله عز وجل يعلم من هو أنقص فضلا وعلما في الجملة أشياء لا يعلمها من هو أفضل منه وأعلم منه بما عدا تلك الأشياء فعلم الملائكة ما لا يعلمه آدم وعلم آدم أسماء الأشياء ثم أمره بأن يعلمها الملائكة كما خص الخضر عليه السلام بعلم لم يعلمه موسى عليه السلام حتى اتبعه موسى عليه السلام ليتعلم منه وعلم أيضا موسى عليه السلام علوما لم يعلمها الخضر وهكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخضر قال لموسى عليه السلام إنى على علم من علم الله لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله لا أعلمه أنا. قال أبو محمد: ولي في هذا أن الخضر أفضل من موسى عليه السلام. قال أبو محمد: وقد قال بعض الجهال إن الله تعالى جعل الملائكة خدام أهل الجنة يأتونهم بالتحف من عند ربهم عز وجل قال تعالى " قال أبو محمد: أما خدمة الملائكة لأهل الجنة وإقبالهم إليهم بالتحف فشيء ما علمناه قط ولا سمعناه إلا من القصاص بالخرافات والتكاذيب وإنما الحق من ذلك ما ذكره الله عز وجل في النص الذي أوردنا وهو ولله الحمد من أقوى الحجج في فضل الملائكة على من سواهم ويلزم هذا المحتج إذ كان إقبال الملائكة بالبشارات إلى أهل الجنة دليلا على فضل أهل الجنة عليهم أن يكون إقبال الرسل إلينا مبشرين ومنذرين بالبشارات من عند الله عز وجل دليلا على أننا أفضل منهم وهذا كفر مجرد ولكن الحقيقة هي أن الفضل إذ كان للأنبياء عليهم السلام على الناس بأنهم رسل الله اليهم ووسائط بين ربهم تعالى وبينهم فالفضل واجب للملائكة على الأنبياء والرسل لكونهم رسل الله تعالى إليهم ووسائط بينهم وبين ربهم تعالى وأما تفضل الله تعالى على أهل الجنة بالأكل والشرب والجماع واللباس والآلات والقصور فإنما فضلهم الله عز وجل من ذلك بما يوافق طباعهم وقد نزه الله سبحانه الملائكة عن هذه الطبائع المستدعية لهذه اللذات بل أبانهم وفضلهم بل جعل طبائعهم لا تلتذ بشئ من ذلك إلا بذكر الله عز وجل وعبادته وطاعته في تنفيذ أوامره تعالى فلا منزلة أعلى من هذه وعجل لهم سكنى المحل الرفيع الذي جعل تعالى غاية إكرامنا الوصول إليه بعد لقاء الأمرين في التعب في عمارة هذه الدنيا النكدة وفي كلف الأعمال ففي ذلك المكان خلق الله عز وجل الملائكة منذ ابتدأهم وفيه خلدهم وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: و قال بعض السخفاء أن الملائكة بمنزلة الهواء والرياح. قال أبو محمد: وهذا كذب وقحة وجنون لأن الملائكة بنص القرآن والسنن وإجماع جميع من يقر بالملائكة من أهل الأديان المختلفة عقلا متعبدون منهيون مأمورون وليس كذلك الهواء والرياح لكنها لا تعقل ولا هي متكلفة متعبدة بل هي مسخرة مصرفة ولا اختيار لها قال تعالى " قال أبو محمد: فبيقين ندري أن آدم عليه السلام لولا يقينه بأن الملائكة أفضل منه وطمعه بأن يصير ملكا لما قبل من أبليس ما غره به من أكل الشجرة التي نهاه الله عز وجل عنها ولو علم آدم أن الملك مثله أو دونه لما حمل نفسه على مخالفة أمر الله تعالى لينحط عن منزلته الرفيعة إلى الدون هذا ما لايظنه ذو عقل أصلاً. قال أبو محمد: و قال عز وجل " قال أبو محمد: وأيضا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الله سبحانه وتعالى خلق الملائكة من نور وخلق الإنسان من طين وخلق الجن من نار. قال أبو محمد: ولا يجهل فضل النور على الطين وعلى النار أحد إلا من لم يجعل الله له نورا ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ربه في أن يجعل في قلبه نورا فالملائكة من جوهر دعا أفضل البشر ربه في أن يجعل في قلبه منه وبالله تعالى التوفيق وفي هذا كفاية لمن عقل. قال أبو محمد: و قال عز وجل " قال أبو محمد: وأما فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل رسول قبله فالثابت عنه عليه السلام أنه قال فضلت على الأنبياء بست وروي بخمس وروي بأربع وروي بثلاث رواه جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وحذيفة بن اليمان وأبو هريرة وبقوله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر وإنه عليه السلام بعث إلى الأحمر والأسود وأنه عليه السلام أكثر الأنبياء اتباعا وأنه ذو الشفاعة التي يحتاج إليها يوم القيامة فيها النبيون فمن دونهم أماتنا الله على ملته ولا خالف بنا عنع وهو أيضاً عليه السلام خليل الله وكليمه.
|